إن حياة الأئمة عليهم السلام كلها حياة جهاد وتضحية في سبيل اللَّه عزَّ وجلَّ ولا يمكن أن نستثني أحداً من هذه الحركة المباركة لأن مفهوم الجهاد يتقوم بأمرين:
1 - الجهد والعناء والمشقة وهذا ما تحمله الكلمة من الناحية اللغوية.
2- فرض وجود عدو نعمل على مواجهته.
وبلحاظ هذين الأمرين نعرف أن حركة الأئمة عليهم السلام الجهادية كانت مستمرة في كل العصور وهذا الجهد المبارك توَّج بالشهادة وأما وجود العدو فكان على طول التاريخ الذي عاشه الأئمة عليهم السلام في ظل الانحراف عن ثوابت الإسلام الأصيل الذي ولّدته الحكومات المنحرفة.
ومع تحقق هذين الأمرين تتنوع أنواع المجاهدة بحسب الظروف والمعطيات فمن مجاهدة سياسية تجلت في موقف الإمام الحسن عليه السلام إلى مجاهدة عسكرية تجلت في موقف سيد الشهداء عليه السلام إلى مجاهدة ثقافية تجلت في موقف الإمام الصادق عليه السلام وغيرهم من الأئمة عليهم السلام .
لقد نهض الإمام الحسين عليه السلام وضحى بدمه ودماء أهله الطيبين من ذريته وأصحابه، فكانت نهضته المباركة حياة للإسلام ليستلهم المسلمون من حركته التي بقيت حية نابضة في مختلف المجتمعات. ولذلك حاول المستكبرون في كافة العصور اخماد نورها ونارها المحرقة للظالمين، ولكنَّ المشيئة الإلهية تغلبت على هؤلاء الظالمين، لتبقى نهضة الإمام الحسين عليه السلام خالدة على مر العصور.
مراحل حياة الإمام عليه السلام:
يمكن تقسيم حياة الإمام الحسين عليه السلام حسب المراحل الزمنية إلى عدة مراحل
الأولى: الفترة التي عاشها مع جده خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وآله استمرت ما يزيد على خمس سنوات.
الثانية: الفترة التي عاشها مع أمه البتول عليها السلام ما يقرب من ست سنوات.
الثالثة: الفترة التي عاشها مع أبيه المرتضى عليه السلام ما يزيد على خمسة وثلاثين سنة.
الرابعة: الفترة التي عاشها مع أخيه المجتبى عليه السلام ما يناهز خمسة وأربعين عاماً.
هذا تقسيم حياته المباركة بلحاظ الفترة الزمنية، وهناك تقسيم اخر وهو ما يهمنا في هذا البحث وهو بلحاظ فترة استلامه القيادة والإمامة بعد شهادة أخيه الإمام الحسن عليه السلام والتي استمرت ما يقارب من عشر سنوات كان الإمام يقارع فيها الحكم الأموي هذه المرحلة يمكن تقسيمها إلى قسمين:
أ - مرحلة ما قبل نهضة الإمام الحسين عليه السلام في عاشوراء(كربلاء).
ب - مرحلة نهضة الإمام عليه السلام في عاشوراء.
وما سنتعرض له في هذا البحث هو مرحلة عاشوراء التي تجلى فيها الجهاد المسلح ضد الحاكم المنحرف.
الخصائص القيادية للإمام الحسين عليه السلام
قبل الكلام عن هذه الحركة التغييرية، وعن ملامح عصر الإمام عليه السلام وعن الأسباب والنتائج لعاشوراء من الجيد أن نلفت النظر إلى شخصية الإمام الحسين عليه السلام وصفاته التي ينبغي تحققها في كل قائد ونأخذ على سبيل المثال بعض الملامح العامة لهذه الشخصية.
1- قوة الإرادة:
ويكفي أن نرى قوة الإرادة عنده من إصراره على إنهاء المسيرة حتى النهاية مع عائلته وأولاده رغم سماعه نبأ استشهاد مسلم بن عقيل (رض) ، في جو لا يطمئن بأي حسم عسكري لصالحه بل في ظروف يعلم أنه ملاقٍ فيها الشهادة وهو القائل:"لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما"2.
2 - الإباء عن الضيم:
وهذا اللقب من أهم ألقابه المباركة، وقد قال عنه ابن أبي الحديد المعتزلي:"سيّد أهل الإباء الذي علم الناس الحمية والموت تحت ظلال السيوف اختياراً على الدّنية أبو عبد اللَّه الحسين بن علي بن أبي طالب عُرض عليه الأمان هو وأصحابه فأنف من الذل، وخاف ابن زياد أن يناله بنوع من الهوان مع أنه أبى الموت على ذلك"3.
وهو الذي خلد لنا التاريخ كلمته المشهورة التي تنبض بالعزة والكرامة:"ألا إن الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة، يأبى اللَّه ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام"4.
3 - الشجاعة:
ومواقف عاشوراء كلها دليل على هذه الشجاعة الملفتة للإمام عليه السلام وهو الذي قال لأصحابه حينما أمطرتهم سهام الأعداء.
"قوموا رحمكم اللَّه إلى الموت الذي لا بد منه، فإن هذه السهام رسل القوم إليكم"5.
4- الصراحة والوضوح:
توجت كل هذه الصفات بصفة مهمة جداً وهي الوضوح والصراحة وهو القائل:"يا أمير إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، بنا فتح اللَّه وبنا يختم ويزيد فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق والفجور، ومثلي لا يبايع مثله"6
5 - الصلابة في الحق:
"ألا ترون إلى الحق لا يعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء اللَّه"7.
6 - الصبر:
قال الأربلي: "شجاعة الحسين عليه السلام يضرب بها المثل، وصبره في الحرب أعجز الأوائل والأواخر"8.
إلى غيرها من الصفات التي اجتمعت في الإمام عليه السلام .
ملامح عصر الإمام الحسين عليه السلام
نستطيع أن نلخص عصر الإمام عليه السلام بكلمة واحدة وهي أن معاوية بن أبي سفيان أراد إعادة الجاهلية الأولى إلى المجتمع الإسلامي باسم الإسلام وإمرة المؤمنين. وقد اعتمد معاوية من أجل الوصول إلى هذا الهدف عدة خطوات منها:
1- إشاعة الإرهاب والتصفية الجسدية لكل قوى معارضة للحكم وقد صوّر الإمام الباقر عليه السلام هذه الحالة بقوله:"فقُتِلت شيعتنا بكل بلدة، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنّة، وكان من يُذكَر بحبنّا والانقطاع إلينا سجن، أو نهب ماله أو هدمت داره، ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد اللَّه بن زياد قاتل الحسين عليه السلام"9.
2 - إغداق الأموال لشراء ضمائر الناس وقد تم فعلاً شراء بعض الوعّاظ والمحدّثين، وهكذا شراء ضمائر الوجوه الاجتماعية.
المضايقة الاقتصادية وأسلوب التجويع وقد قال معاوية في هذا الصدد: "انظروا من قامت عليه البينة أنه يحبُّ علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان، واسقطوا عطاءه ورزقه"10.
4 - العمل على تمزيق أواصر الأمة الإسلامية بإثارة الروح القومية والقبلية والإقليمية بين قطاعاتها المختلفة.
5- اغتيال الإمام الحسن المجتبى عليه السلام .
6 - فرض البيعة لولده يزيد المعلن بفسقه وتحكيمه في رقاب المسلمين.