تحدياتنا بين الحضور المُستَحق للأسد والحضور الفظ لزيلنسكي
بقلم: مروان اميل طوباسي
إن حضور زيلنسكي القمة العربية بلباسه الميداني العسكري وتقديمه كلمة بالجلسة الأفتتاحية، بعد وصوله على متن طائرة فرنسية الى جدة، كانت بطلب أمريكي، وقد بدت لي أنها قد تمت باستجابة بعض العرب لاسترضاء الامريكان وبمقايضة مكشوفه تم اعتمادها بترتيبات من البعض بمقابل غض النظر الأمريكي على مشاركة سوريا ودعوة الرئيس الأسد وبما له علاقة بموضوع التقارب السعودي الايراني والعلاقة مع روسيا والصين، خاصة بعد فشل بايدن في قمة الرياض الخليجية السابقة بتمرير ما كان يريد ، مقابل حضور زيلينسكي قمة جدة العربية امس ومحاولة الأمريكان اضعاف الملف الفلسطيني بالقمه من حيث قرارات لا تأخذ جدية المخاطر الإسرائيلية الجارية وجرائمها وتحديدا بالقدس ترتقي إلى مستوى وضع الرؤى لأنهاء الأحتلال الأستعماري، خاصة مع أحياء احرار العالم مع شعبنا الفلسطيني ذكرى وذاكرة جريمة النكبة المستمرة منذ ٧٥ عاما دون عقاب ومحاسبة واعتذار.
مشاركة زيلنسكي الذي لا تفوق مكانته عن دمية أمريكية ، بل ايضا احد الذين يحملون الخلفية الفكرية الصهيونية والنازية الجديدة معاً ويدافعون عنها.
هذه المشاركة الغير مبررة ليس فقط تؤكد ما نقلته بعض المواقع سابقا على لسان مساعد وزير الخارجية الأمريكي انه يتوجب الحصول على ثمن مقابل مشاركة الأسد بالقمة العربية ، لكنها ترسخ نفاق ازدواجية المعايير وأخلاق الغرب الاستعماري.
فالأمريكان لن يقفوا مكتوفي الأيدي خاصة مع التحولات الدولية الجارية لمحاولة اعاقة تعددية الاقطاب وفشلهم حتى اللحظة في هزيمة روسيا وحصار الصين، كما وفشل مخططاتهم في سوريا لمنع بسط سيادتها على كل اراضيها واعاقة عودتها إلى الجامعة العربية كما واعادة اعمارها ، كما لن يسمحوا أن استطاعوا بتعريض رؤيتهم حول مكانة إسرائيل واتفاقات ابراهام لمخاطر. ولذلك كان هذا الابتزاز بحضور زيلنسكي و ما رافقه من قرار الكونغرس الأمريكي قبل أيام بشأن تمديد سريان قانون قيصر بشأن معاقبة سوريا وما كان قبله من بيان بمناسبة ذكرى "استقلال إسرائيل" وتجاهل وجود وحقوق شعبنا الفلسطيني في نصوصه، وذلك في مراكمة على مواقف الاولايات المتحدة من محاسبة وادانة دولة الاحتلال بكافة المحافل بل وتقديم الدعم لها لاستدامة ما تسعى له من خلق وقائع جديدة على الأرض تخدم الرؤية الصهيونية في كل فلسطين من جهة ، وتقديم الوعود السرابية لنا من جهة أخرى.
الدمية الأمريكية زيلنسكي الذي جاء إلى السلطة على ظهر دبابات الانقلاب المدعوم أمريكيا عام ٢٠١٤ ضمن مخططات كانت معروفة الأهداف يتجلى وضوحها الآن بما تخوضه الولايات المتحدة من حرب بالوكالة على اراضيها ضد الأمن القومي الروسي والتطور والتمدد الصيني الروسي ودور الشرق عموما في هذا العالم في مواجهة التوحش والهيمنة الأمريكية التي طال زمنها.
زيلنسكي الذي دعاه رئيس الدورة الحالية الأمير بن سلمان لتقديم كلمته بالجلسة الافتتاحية التي انقطع بثها بالبداية ، الا انه قدم بلاده كضحية للأحتلال الروسي المزعوم وجرائمه وكداعية للسلام من اجل تطبيق القانون والقرارات الدولية ، لم يأتي على ذكر الأحتلال الإسرائيلي ولا على عدالة قضيتنا التي تفوق قضيته المزعومة بالزمن والماَسي بأكثر من سبعة عقود ومئات الجرأئم ، خاصة وأنه يحضر أمام قمة عربية تشكل القضية الفلسطينية جوهر اهتمامها المفترض ، فأي ازدواجية معايير هذه وأي وقاحة سياسية هذه؟
ورغم أن معظم الرؤساء العرب في تقديم كلماتهم المختصرة دون العادة، لم يأتوا على الترحيب بحضور زيلنسكي، الأمر الذي قد يعكس تفاوت الآراء بخصوص دعوته كما يبدو، الا انهم اتوا ببعض الإشارات التي عبرت عن حرص العرب بالوصول الى السلام ووقف الحرب الجارية في أوكرانيا ضمن الحرص على السلام الدولي وبالمقدمة منها تحقيق السلام العادل في منطقتنا وفق إنهاء الاحتلال وتطبيق القرارات الدولية وأسس المبادرة العربية.
أما الرئيس الروسي بوتين في رسالتة الى القمة العربية فقد دعى الى تطوير العلاقة العربية الروسية على قاعدة الاحترام المتبادل وتعزيز التعاون والعمل المشترك لحل المشكلات، واكد ان روسيا مستعدة للمساعدة في حل الصراع العربي الاسرائيلي قلى قاعدة الشرعية الدولية والقرارات الدولية ذات الصلة والمبادرة العربية للسلام.
لقد جاءت القمة العربية الحالية في وقت تتسارع به المتغيرات الدولية وتجري به تحولات وتموضعات جديدة بخصوص العلاقات العربية البينية والعربية الاقليمية ومن أهمها عودة سوريا الذي طال انتظاره والقرار بوقف الحرب ضد الشعب اليمني وما يجري بالعراق من جانب . ومن جانب اخر تصاعد فاشية دولة الأحتلال وجرائمها كما والفكر الديني العنصري والفوقية اليهودية ليس بحق شعبنا فقط بل وبحق غير اليهود وفق رؤيتهم التلمودية الصهيونية.
كما تأتي هذه القمة بعد الانعقاد غير المسبوق لجلسة أحياء الذكرى ٧٥ للنكبة بالامم المتحدة وتقديم الأخ الرئيس لكلمته أمام من حضر من المجتمع الدولي بعد تحريض مندوب دولة الأحتلال على مقاطعة الدول لهذا الحدث وفشله في حشد عدد كبير، رغم تجاوب البعض من الأوروبيين الذين يتوجب المتابعة معهم وتوجيه السؤال لهم حول موقفهم هذا الذي يناقض المبادئ التي يفترض انهم ينادون بها منذ ان عانوا هم من جرائم النازية بالماضي والتزامهم المفترض بالشرعية الدولية وقراراتها.
هنالك أهمية للتقارب والتعاون العربي المشترك أمام ما يجري في عالمنا المضطرب اليوم لبلوغ نظام دولي جديد في مواجهة الليبرالية الجديدة المتوحشة التي تستهدف العدالة وحقوق الإنسان وحرياته ، كما وايضا الحركة الصهيونية العالمية واداتها المشروع الأستيطاني في فلسطين في استهداف وجودنا التاريخي فوق ارضنا وحقنا في تقرير المصير.
الأمر الذي يتطلب وضع رؤية استراتيجية عربية معاصرة تبتعد عن محاولات الأحتواء الأمريكي الذي قاد شعوبنا نحو ما وصلت اليه من اوضاع واستمرار تغذية مشروع الاستيطان والاحتلال . رؤية تقترن بالقدر المستطاع للاتفاق حول أهدافها وخططها والياتها من أجل استباق الأحداث بدل ردود الافعال في محاولة الاجابة على العناوين الكبيرة التي سببت ازماتنا خلال العقود الماضية ، والاستفادة من الأجواء الدولية وخاصة بين الشعوب المناهضة لاحادية القطب المسوؤلة عن كوارث الشعوب.
مسارات أساسية يتوجب اعتمادها كاولويات في هذه المرحلة من تاريخ شعبنا الذي يقف في مقدمة الشعوب العربية والقوى الديمقراطية التقدمية بالعالم في مواجهة تلك المخططات الصهيونية والتي تعيق التحولات التي ذكرتها للأبقاء على النظام الاحادي التدميري بالمنطقة ومكانتها المتقدمة مع حليفها الأمريكي الاستراتيجي.
وتتلخص هذه المسارات في اولا ، مسار استمرار الكفاح الوطني ضد الاحتلال الاستعماري كحركة تحرر وطني تسعى الى حق شعبها في تقرير المصير واسقاط المشروع الاستيطاني والأبارتهايد في أرض فلسطين ، خاصة بعد أن اوصل الاحتلال وحلفاؤه ممن ادعوا رعاية مسيرة السلام وفق حل الدولتين إلى ما وصل له نتيجة واقع الاستيطان والضم والجدران وتراجع الغرب في تأييد مبدأ هذا الخيار الأممي وفق ما كان مفترض من حدود وسيادة ومن حقوق على المصادر الطبيعية والمائية كما وعلى مكانة القدس كعاصمة ومن حقوق عودة اللاجئين.
هذا الى جانب مسارات متوازية تتعلق، بتعزيز وحدة شعبنا في إطار منظمة التحرير وانهاء مظاهر الأنقلاب الأسود، كما وتعزيز الحياة الديمقراطية والعيش الكريم . هذا الى جانب مسار العمل الدبلوماسي المقاوم في كل المحافل الدولية من أجل ليس فقط مقاطعة سياسات الاحتلال بل من أجل تعليق عضوية إسرائيل بالمنظمة الدولية التي لم تقم وفق ما كان مفترض بالقرار الأممي ١٨١ وإنما بالاحتلال والتوسع الاستيطاني . كما إلى أهمية الاستعمال الجاد والنضال من أجل عضويتنا الكاملة بالامم المتحدة بما يترافق مع مسار سياسي قانوني أمام المحاكم الدولية والاوروبية المختصة لملاحقة جرائم العصابات الصهيونية وإسرائيل منذ ما قبل النكبة وإقامة المحاكم الخاصة بذلك كمحاكم نورمبرغ التي اقامها الاوروبين انفسهم لجرائم النازية.