منذ كنت صبيًا أسمع القصص عن تقدم الغرب وتحضره، وعن مشاكلنا المزمنة. وحضرت ألف محاولة لتقريب الفجوة، وفى طفولتي تعلمت أن كل ما هو غربي منافق مخادع ورقيع، كما إنهم على قدر عظيم من الغباء، لكن ما سرقوه من ثرواتنا هو سبب تقدمهم، بينما المستقبل للسواعد العربية السمراء الفتية وعقولنا الجبارة التى سنحلق بها إلى العلياء والسؤدد.. السؤدد كلمة سيئة السمعة كنت أتشاءم منها فى حصص الإملاء لأن معناها خراب بيتي لأنني لن أضع الهمزة أبدًا فى مكان صحيح.. ثم صرت أتشاءم كلما سمعتها اليوم لأنها تؤدي للعكس دائمًا. تخيل خمسين عامًا من البدايات الجديدة ونفس الكلام.. فى كل مرة نفس الكلام..
حضرت مع عبد الناصر حلم مصر مركز الدوائر الإسلامية والأفريقية والعربية، وحضرت مع السادات حلم دولة العلم والإيمان، وحضرت مع مبارك حملة حب مصر وسداد ديون مصر، ويبدو أننى سأحضر مع السيسي حملة بكرة تشوفوا مصر..
لماذا لم يتغير شيء ؟.. لماذا تتسع الفجوة يومًا بعد يوم ؟
بالتأكيد كانت الفجوة أضيق بكثير أيام عبد الناصر.. وكانت أضيق بمراحل أيام الملك فاروق... فى أيام ملك مصر والسودان لم يكن هناك من يحكم على 529 شخصا بالإعدام مرة واحدة، ولا من يزعم تحويل الفيروسات إلى كفتة وهذه قمة الإعجاز..
هل يوجد خطأ معين فينا؟.. يبدو أن هذا شعور معتاد فى العالم الثالث، لأننى قرأت مجموعة قصصية للأديب التركي العبقري عزيز نيسن؛ اسمها (لن نتقدم أبدًا). كل شعب يشعر أنه مختلف وأنه يحمل جذور فشله فى خلاياه...
المشكلة أنني بدأت أعتقد هذا فعلاً !!
العيب فينا.. ونحن من نفرز الحكومات التى تقمعنا. نحن ملايين من (سيد حبارة) الذى أرجو أن تكون متابعًا لكتاباتي حتى تعرفه. نحن بالفعل أميل للكسل وننسى بسرعة البرق، ونصدق الخرافات، ونحب الكذب ونفتري عندما نملك السلطة، ونعشق (القنعرة) ونملك درجة هائلة من القبلية (نحن فوق القانون)، ونعين أخانا إذا كان ظالمًا فقط. نعينه ضد من ظلمهم طبعًا. لدينا ولع بهدم كل شيء بنيناه لنبدأ من جديد للأبد.. لقد كنت سعيدًا مفعمًا بالبشر لأن الولد رامي المثقف خبير الإنترنت، الذي يحمل كاميرا صغيرة وحقيبة على ظهره ويهتف فى ميدان التحرير قد انتصر.. وكان ينوي تغيير كل شيء حتى جيلي نفسه.. رأيت أن هذه هى الخطوة الأولى كى نقترب من الحضارة.
اليوم عدنا لنفس النقطة من جديد وانتصر سيد حبارة على الولد رامي ومزق وجهه بالمطواة. لقد صار هذا مملاً !
د.أحمد خالد توفيق
صار هذا مملًا
٢١ إبريل ٢٠١٤