والصدق في الأقوال يتأدى بصاحبه إلى الصدق في الأعمال والصلاح في الأحوال٬ فإن حرص الإنسان على التزام الحق فيما ينبس به٬ يجعل ضياء الحق يسطع على قلبه وعلى فكره٬ ولذلك يقول الله عر وجل: ”يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما“. والعمل الصادق هو العمل الذي لا ريبة فيه لأنه وليد اليقين٬ ولا هوى معه لأنه قرين الإخلاص٬ ولا عوج عليه لأنه نبع من الحق. ونجاح الأمم في أداء رسالتها٬ يعود إلى جملة ما يقدمه بنوها من أعمال صادقة. فإن كانت ثروتها من صدق العمل كبيرة٬ سبقت سبقا بعيدا٬ وإلا سقطت في عرض الطريق٬ فإن التهريج والخبط٬ والادعاء والهزل٬ لا تغنى فتيلا عن أحد. قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ”عليكم بالصدق٬ فإن الصدق يهدى إلى البر٬ والبر يهدى إلى الجنة٬ وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يُكتب عند الله صديقا.. وإياكم والكذب ! فإن الكذب يهدى إلي الفجور وإن الفجور يهدى إلى النار وما يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذابا“. إن الفجور الذي هدى إليه إدمان الكذب هو المرحلة الأخيرة لضعة النفس٬ وضياع الإيمان. روى مالك عن ابن مسعود: ” لا يزال العبد يكذب٬ ويتحرى الكذب٬ فيُنكت فى قلبه نكتة سوداء٬ حتى يسود قلبه٬ فيُكتب عند الله من الكذابين“". ويحيق به قول الحق في كتابه: ”إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات االله وأولئك هم الكاذبون“. وأما البر الذي هدى إليه الصدق٬ فهو قمة الخير التي لا يرقى إليها إلا أولو العزم من الرجال٬ وحسبك فيه هذه الآية الجامعة: ”ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون“.
_محمد الغزالي _
_خلق المسلم _